لعل أهم ما ميز السنة الماضية من حكم الملك محمد السادس هو شعار "الجدية" الذي أكد الملك، في خطاب العرش، أنها "يجب أن تظل مذهبنا في الحياة والعمل، وأن تشمل جميع المجالات".
وقد أكد الملك في خطابه على ضرورة التحلي بالجدية في الحياة السياسية والإدارية والقضائية: من خلال خدمة المواطن، واختيار الكفاءات المؤهلة، وتغليب المصالح العليا للوطن والمواطنين، والترفع عن المزايدات والحسابات الضيقة.
كما أن الجدية، وفق خطاب الملك الذي أحيا معنى هذه الصفة وطنيا، مطلوبة في المجال الاجتماعي، وخاصة قطاعات الصحة والتعليم والشغل والسكن، حيث قال إن الجدية التي نريدها "تعني أيضا الفاعلين الاقتصاديين، وقطاع الاستثمار والإنتاج والأعمال ".
فمع ظهور بعض بوادر التراجع التدريجي لضغوط التضخم، على المستوى العالمي، "فإننا في أمس الحاجة إلى الجدية وإشاعة الثقة، واستثمار الفرص الجديدة، لتعزيز صمود وانتعاش الاقتصاد الوطني" يقول الملك في خطابه.
وفي ظل الجدية دائما، دعا الملك محمد السادس الحكومة إلى التنزيل السريع وبالجودة اللازمة لمشروع "عرض المغرب" في مجال الهيدروجين الأخضر بما يضمن تثمين المؤهلات التي يزخر بها المغرب، والاستجابة لمشاريع المستثمرين العالميين، في هذا المجال الواعد.
ليس عتابا
ولقد عاد الملك محمد السادس للحديث عن هذه القيمة المجتمعية والسياسية، في ذكرى المسيرة الخضراء، حيث أكد أن الحديث عن الجدية في خطاب العرش "لم يكن عتابا، وإنما هو تشجيع على مواصلة العمل، لاستكمال المشاريع والإصلاحات، ورفع التحديات التي تواجه البلاد. وهو ما فهمه الجميع، ولقي تجاوبا واسعا، من مختلف الفعاليات الوطنية".
واعتبر العاهل المغربي أن الأمر يتعلق بمنظومة متكاملة من القيم، مكنت من توطيد المكاسب التي حققناها، في مختلف المجالات، لاسيما في النهوض بتنمية أقاليمنا الجنوبية، وترسيخ مغربيتها، على الصعيد الدولي.
وفي ذات السياق، لفت إلى أن العديد من الدول اعترفت بمغربية الصحراء، وعبرت دول أخرى كثيرة وفاعلة، بأن مبادرة الحكم الذاتي، هي الحل الوحيد، لتسوية هذا النزاع الإقليمي المفتعل.
كما ساهمت قيم التضامن والتعاون والانفتاح، التي تميز المغرب، من تعزيز دوره ومكانته، كفاعل رئيسي، وشريك اقتصادي وسياسي موثوق وذي مصداقية، على المستوى الإقليمي والدولي، وخاصة مع الدول العربية والإفريقية الشقيقة.
حقنة جديدة في مشروع المغرب الإصلاحي
اعتبر محللون للخطاب الملكي أن مفهوم الجدية جاء بمثابة حقنة تم ضخها في مشروع الملك الإرادي الإصلاحي والتحديثي للمغرب.
الجدية التي حقَّق بها المغرب إنجازات، والجدية التي بها سيُطوّر مكتسباته، والجدية التي بها يُدير علاقاته الخارجية.
الجدية، وفق الكاتب طالع السعود الأطلسي، مفهوم سلس، أخلاقي وعملي وفاعل، وهو ما يعني أننا أمام تحوُّل نوعي في مسار المشروع الملكي الإصلاحي والتحديثي عنوانها وأفقها هو الجدية.
كما رأى مراقبون أن الملك قدم في خطاب العرش، الذي كرر فيه الحديث عن "الجدية" أكثر من 15 مرة، مفاتيح الخروج من الأزمة ودفع مؤسسات الدولة ومختلف المدبرين العمومين في الحكومة والبرلمان والمؤسسات المنتخبة لتدارك الأخطاء عبر التحلي بالجدية كقيمة نموذجية مركزية، والتي تشير بشكل أساسي إلى قواعد العمل والصرامة والاحترام.
واعتبر هؤلاء أنه، إذا كانت الخطب السابقة ركزت على الجوانب المؤسساتية والقانونية والتنظيمية سواء على الصعيد الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي والدعوة إلى تقوية عمل هذه المؤسسات وترسيخ مبادئ الحكامة، "فإن خطاب الذكرى الرابعة والعشرين لعيد العرش، اهتم بشكل لافت بالجانب القيمي، خاصة ما يتعلق بالسلوك العام للمواطنين المغاربة".